يـومـيـات مـعـلّـمـة (1)

يوميات معلمة
الأحد 26 /11 /2006
على غير العادة... لم أفتح عيوني على جرس المنبّه .. بل فتحتها صدفة ، ومددت يدي لهاتفي كي أتحقق من الوقت
ـ يا إلهي !! إنّها السادسة إلا ثلثا !!
وقفزت من سريري ثمّ وقفت دقيقتين بلا حراك .. كيف سأفعل ما أفعله كلّ يوم في عشرين دقيقة ؟؟ أذكر أنّني نطقت بكلّ كلمات اللعنة وما يحمل معناها في تلك الدقائق ...
كان من المفروض أن أستيقظ في الساعة الرابعة والنصف ، ذهبت هرعة أبحث عن فرشاة أسناني ولكنّني لم أجدها !! ذهبت لإيقاظ والدتي ..
ـ أمي .. استيقظي .. أنا متأخرة !!
فعلت ما استطعت .. واختزلت ثلاثة أرباع ما كنت أفعله عادة ... في تمام السادسة وسبع دقائق أنهيت استعدادي للخروج ... وقفت بانتظار مكالمة من السائق الذي يأخذني إلى المدرسة ... أظنّ بأنّني كنت عاقدة الجبين بعيون منتفخة .. تارة أشتم نفسي لنسياني تنبيه المؤقت .. وتارة أقول بأنّني قد استطعت اللحاق بموعدي وهذا شيء جيّد في بداية يوم يبدو أنّه ليس بالجيد ... منذ ذلك اليوم .. غيّرت موعد استيقاظي وجعلته في تمام الخامسة والنصف .. فقد صنعت المعجزات في ثلث ساعة ...
أضاء هاتفي ولم أسمع صوته .. قلت في نفسي " هذا السائق الجديد بخيل ، يفصل خطّه حتى قبل أن أسمع رنين هاتفي " بحق .. كنت وقتها قد نسيت النغمة الموضوعة للهاتف لقلّة المتصلين بي ...
ألقيت التحية على أمي التي لم تستجب لها وخرجت .. وأنا أمشي في حارتنا ذات الألف حفرة .. أحسست بألم خفيف في ظهري وأقدامي ..
"يبدو أنّني توترت أكثر من اللازم" هكذا قلت لنفسي ...
قطعت الشارع لحظة وصول باص المدرسة ... صوت الباب عندما يفتح يصيبني بقشعريرة... ولم أستطع الاعتياد لا على الصوت ولا على القشعريرة حتى الآن ...
ـ "السلام عليكم "قلتها للسائق ...
" وعليكم السلام" ردّ عليّ .. وتابع ..
" كيف كانت عطلتك ؟"
ـ "جيّدة " و رحت أبحث في عقلي عمّا إذا تمتّعت حقا بشيء يسمّى العطلة !! الأعمال لا تنتهي عندنا .. حتى ولو كنت أقوم بها أولا بأول ... مثل هذه الأفكار تجعلني ألعن اليوم الذي أصبحت فيه معلّمة ..
السائق بعد تنحنحه عدّة مرات ..
ـ " تبدين مرهقة "
ـ " حقا !! " أجبته .." وكأنّني لا أعلم " قلتها في نفسي طبعا ...
أتممنا جولتنا واصطحبنا الأطفال في طريقنا إلى المدرسة .. وصلنا إلى المدرسة .. و توجّهت فورا إلى غرفة المعلّمات والتي كانت هاجسا بالنسبة لي أيام طفولتي المدرسية ... وأصبحت كابوسا في وقتي الحاضر ... جلست على أول كرسيّ رأيته .. أحسست بالمزيد من الألم .. تمتمت في نفسي " يارب... إن كنت تحبّني أجّل هذا الألم قليلا "
قرع الجرس... فنزلت مع بقيّة المعلمات لأداء مراسم طابور الصباح التعسّفي في ذلك الجوّ البارد ...
وقفت على رأس صفّي ونظرت لطلاّبي ... " لن أحلم يوما بأن ينجحوا في الاصطفاف وحدهم !! "
عدّلت ما يعدّل منهم ... ورفعت يدي عن البقية الباقية .. كانت الإذاعة لصفّنا في ذلك اليوم .. وقد تغيّب المقدّم .. فقدّمها طالب آخر .. جعلها تبدو ككتلة من الأخطاء اللغوية والنحوية .. ضربت كفّا بكفّ على ذلك اليوم وبقيّته ...
دخلنا صفوفنا .. وبدأ اليوم الدراسي ... لم أكن أضحك على نكات الأولاد .. بل إنّني لم أسمح لهم بقولها حتى !! بدأنا بحصّة الرياضيات .. وأظنّ بأنّ أقدام الكثير من الأولاد آلمتهم بسبب وقوفهم عقابا لهم على تقصيرهم في إنجاز واجب بيتيّ ..
جرس الحصة الثانية .. مشرفتي تأتي لتزفّ إليّ خبر أنني نسيت اصطحاب فتاة صغيرة في طريق مجيئنا للمدرسة ..
" أوه ..أحقا تلك الفتاة معي !! ؟ لم يدر شيء غير ذلك في رأسي وقتها ... تلقّيت تنبيها ودّيا من المشرفة لأكون أكثر حرصا في المرات القادمة .. هززت رأسي وكأنّني أفهم ما تقول .. خرجت لإحضار لوحة لدرس العلوم وعند عودتي للصف وجدت المعلمات مجتمعات .. توقفت وسألت " ما الخبر " وقبل أن يأتيني الجواب منهنّ .. أتانا صوت المشرفة بأن نفترق فورا .. بعد قليل .. ورقة بلفت نظر للمعلّمات جميعهنّ بشأن تلك الوقفة .. " يا فرحتي .. كان الأجدر لو تغيّبت "
الحصة الثالثة، خبر آخر يزف إليّ وهذه المرة عن طريق قصاصة من الورق الأبيض " يرجى مراجعة الإدارة فورا "
" يا خبر !! ماذا حدث ؟؟"
تركت صفي بعد تأمينه مع معلّمة أخرى فهم عبارة عن عفاريت صغيرة بوجوه آدميّة ...
طرقت على باب الإدارة تماما كطالبة مهذّبة..
صوت من الداخل " تفضل "
تفضلت بالدخول ..
الدكتور سمير " مدير المدرسة " : تفضلي يا آنسة بالجلوس ...
جلست ولم أكذّب خبرا .. لقد ازداد الألم ...
ـ " كيف حالك ؟"
ـ " بخير "
ـ " هل تستطيعين إخباري عن الامتحان الذي سيقدّمه طلابك اليوم " قالها بخبث ..
ـ " اللغة العربية " ببراءة ...
ـ " وهل غادر طلابك مصطحبين دوسية التمارين الخاصة بالمادة "
ـ " دوسية التمارين !! أهي موجودة حقا " قلتها في نفسي وقد تخيّلت تلك الدوسية البغيضة تمتطي جوادا و تحمل سيفا قد بعثت للتو من واد سحيق وتخيّلت الدكتور سمير أفعى كبيرة بثلاثين رأس يخرج من تلك الرؤوس ألسنة صفراء كلون تلك الدوسية "
شتّت خيالي نحنحة الدكتور ..
ـ " لا .. لم يأخذوها "
ـ " هل أستطيع معرفة السبب ؟"
ـ " لم أكن أنوي بيعها بالطبع "
ـ "قليل من الجديّة آنستي "
ـ " نسيت "
ـ " فقط !! "
أومأت برأسي إيجابا ...
" هلاّ وافيتني إلى مكتب السكرتيرة أثناء الاستراحة "
ـ " أفضل أن نذهب الآن "
ـ " تفضلي "
عند مكتب السكرتيرة .. جلست أنتظر قرار السيد مالك المدرسة ... ويبدو أنّه اتفق على منحي إنذارا ..
أمسكت السكرتيرة بالقلم و همّت بالكتابة ..
ـ " انتظري " قلت لها ..
ـ " ماذا ؟ "
ـ " أريد أن أعرف ماذا ستكتبين ! "
ـ " تقصير وعدم اهتمام "
ـ " أنا لم أقصّر .. أنا فقط نسيت ..ثمّ إنّها عبارة عن وريقات عمل مجموعة بين ورقتين من الكرتون الرخيص .. وليست جزءا من المادة !! "
ـ نظرت السكرتيرة إلى الدكتور سمير فأومأ لها بالموافقة .. وابتسم لي قائلا : " أنت أوّل معلّمة تكتب إنذارها كما تريد "
ـ " ولكنّني لا أريد " أجبته ..
توقيعي على ذلك الإنذار كان بمثابة دبوس فقأ حلمي بالحصول على راتبي كاملا دون حسومات ... وحسرتي زادت من ألمي العضويّ ...
عدت إلى غرفة المعلّمات مع قرع جرس الاستراحة ... فأخرجت وجبتي المفضلة ... " سندويشة الجبن " كنت في كلّ مرة آكل نفس السندويشة ولكن بطعم مختلف بحسب خيالي ... هذه المرة .. ويبدو بسبب بغضبي أنّني آثرت أن أتخيلها قطعة كبيرة من اللّحم المشوي .. والتهمتها حتى آخرها ... مع لذةّ غريبة !!
طبعا لم أسلم من تعليقات زميلاتي ... فقد كانت تلك الحوادث أولى مخالفاتي التي قد ابتدأت للتوّ على حدّ تعبيرهنّ " والحبل عالجرار "
بعد الاستراحة عدت إلى صفي بألم يتزايد ... أكملت برنامجي .. وعند الحصة الأخيرة كان صوتي قد تلاشى تماما لشدّ ما تكلّمت و صرخت على الأولاد ... قرع جرس نهاية الدوام .. وتنهّدت فرحة لأجله .. لم أكن أفرح بذلك الجرس أو بالعطل الرسمية عندما كنت طفلة .. فقد كنت أحب المدرسة جدا .. أمّا الآن .. فأنا أعشقها جدا " أعشق العطل طبعا ".. و رغم أنّ الجرس عبارة عن أداة لفقدان السمع التدريجي .. إلا أنّني أستعذب صوته جدا .. لا سيما في نهاية الدوام ...
عدت إلى بيتي ... وكنت أشعر ببرد شديد .. " يبدو أنّ الله لا يحبّني " فقد زاد الألم بدلا من أن يزول أو يتأخر ... نمت ساعة ونصف الساعة .. وتناولت بعضا من المسكنات التي لم تساعدني على تجنّب الانفلونزا في الأيام اللاحقة ... استيقظت .. وقمت بالتحضير لليوم التالي للمدرسة .. وقبل النوم تأكدت ألف مرة من توقيت المنبه .. فأنا لست بحاجة إلى يوم آخر كهذا اليوم ....

شكرا لك جميل جدا التعبير عن الاحداث

انت من فريق الكادر العربي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

راااائعة جدا استمتعت بقراءتها

مشكووورة